الجمعة، 23 يوليو 2010

عسل أسود .. ولكن


كانت أمسية جميلة عندما ذهبنا أنا وصحبي لمشاهدة فيلم يعرض بدور السينما العربية في هذه الأيام، حيث أنه أحدث مخرجات السينما المصرية ، التي يجب أن نقف لها وقفة إجلال وإكبار على نوعية الأفلام الهادفة والبعيدة عن الإسفاف المعتاد ، كان الفيلم بعنوان " عسل أسود " .
عسل أسود اسم يحمل في طياته الكثير من المعاني والعبر، أرى أن اختياره بدا موفقا وسديداً.. مما لاشك فيه أن الوطن هو العسل الذي نجد فيه حلاوة تأسر العقول والقلوب, ويحمل في طياته فوائد بكل أشكالها وأنواعها.. ولكنه في هذه المرة اسود اللون في ظلمه لأبنائه في بعض الأحيان ، حيث أصبح بيئة طاردة أكثر منه أنه ملاذا آمنا , هذا السواد الذي يجتاح أوطاننا للأسف يشوه صورته التي دائما ما نحلم أن يكون كحال المدينة الفاضلة ".
في هذه المرة قررت أن أشاهد هذا الفيلم  ليس للإمتاع فحسب ، إنما للاستفادة والتركيز على جوانب الإبداع والتمتع في الرسائل الهادفة التي كان يلقيها ، سمعت كثيراً عن الفيلم قبل حضوره والضجة الذي أحدثها في مصر، كما  آثار انتباهي أكثر هو أن مؤلف التحفة الفنية تلك هو خالد دياب أحد المشاركين في البرنامج الأخير للدكتور عمرو خالد "المجددون" ولاشك أنه بات مجددا في مجاله ، مبدعا في إنتاجه ، كما أن اسم الفنان أحمد حلمي اسم جاذب للمشاهد العربي من حيث متعة الأداء وخفة الظل .
استطاع الفيلم أن يقدم صورة جمالية فنية مليئة بالإسقاطات الهادفة التي تحاكي واقع مجتمعاتنا العربية ولاشك على وجه الخصوص واقع المجتمع المصري...
وتبدأ أحداث الفيلم..
مواطن مصري عاش في بلاد الغربة عقدين من الزمان سافر عائدا إلى الوطن وقد رسم في مخيلته صور مثالية عن الوطن ذلك الحضن الذي سرعان ما سوف يحتضنه ليعوضه حرمان سنين الغربة، لكن الأم الحنون تلك لطالما عاملت أبنائها بقسوة ومسحت بيد الحنان على الغرباء "من باب دعم السياحة" ربما... أو من باب أن أولادنا لابد إن يستحملوا"
مواطن كثيرة تستحق الوقوف عندها ولكنني لا أود ذكرها حتى لا أحرمكم متعة المشاهدة لمن يشاهده بعد..
أن مما لاشك فيه أن المقارنة بين واقع المجتمعات الغريبة وواقع المجتمعات العربية كبيرة لا تقتصر على رغد العيش والفجوة الزمنية التي بيننا من حيث التقدم العلمي والإهتمام بالثقافة والفنون فحسب، إنما من حيث إعطاء المواطن حقوقه التي باتت مسلوبة في بلادنا العربية.
لكن المؤلف والمخرج كان صائبا في أن هناك شيء مختلف في بلدنا ليس موجود في بلادهم وهي"شهامة أهل البلد" التي حاولوا كثيرا وأدها ولم يستطيعوا ذلك، والحياة الاجتماعية التي حُرمها كل من جعل الغرب موطنا له، والكثير من الأخلاق الأصيلة النابعة عن مجتمعات إسلامية وعربية.
الفن الهادف ذو الرسالة هو ما ننشده في كل فنوننا سواء كان سينمائيا أو مسرحياً أو غنائياً.. لأن أصحاب الرسالات هم الذين يخلدهم التاريخ ويحفظ أسمائهم في صفحاته.. هم من يضعوا بصمة في مجتمعاتهم لينقلوها من واقع بأس إلى واقع أجمل وأكثر رقياً و بهاء.

محمد سرميني
23 يوليو 2010

هناك 19 تعليقًا:

  1. كلام جميل جدا
    بالفعل أخ محمد، الفيلم كان قوي جدا في طريقة طرحه لمشاكلنا "العربية" والتي لاأرى لها أي حل حتى في الأفق البعيد "للأسف"...
    الله المستعان

    ردحذف
  2. شكرا صديقي حسام ..
    بصراحة هناك الكثير من الإسقاطات التي تحاكي واقعنا تم طرحها بالفيلم ولكن أثرت أن أتركها للمشاهدين حتى يتواصلوا لها من خلال مشاهدتهم الفيلم ..

    لكن ما أثر أنتباهي وبشكل ملفت الألم الذي سببه ظلم أولي القربى .. تترك في النفس جرح لاينسى ، خصوصا أن كنت تنتظر أن يكون هو الدواء وليس الداء

    ردحذف
  3. صديقي محمد سرميني ...أعلم انك من محبي استخدام الفصحه في كتابتك ولاكني العكس لا احب استخدامها لاني لا اجيدها بصراحه ...لاكن هذه المره بدك تسمحلي عبر عن شعوري بالعاميه ...

    الفلم حلو ... بس المشكله اغلب الناس راحت مشان الضحك والمصخره بعيد العنك .. هلا بعرف انو في ضحك هادف .. بس ما حدا بفوت السينما مشان هاد النوع من الضحك وعلى فكره يوم التنين ب 1.5 د.ك مشان التوفير يعني هههههههه

    ردحذف
  4. صديقي السرميني
    أحسنت في مقالك الجميل عن فيلم جميل من كاتب رائع وجميل
    لقد حضرت افيلم بدعوه من المؤلف المبدع خالد دياب
    وبصراحه عندي نية لحضوره مرة أخرى
    لما يحمل في طياته من الرسائل المباشره وغير المباشره بشكل كوميدي يحمل من خفة ظل الكاتب والممثل المبدع الشيء الكثير
    وهذه الرسائل نفتقدها بشكل كبير في السينما العربيه ولكن إنش اء الله تكون بداية تحول نحو الايجابيه مع كتاب امثال خالد دياب

    ردحذف
  5. الأخ غير معرف
    كنت أتمنى أن تكون أنت من الأشخاص الذين خرجوا من الفيلم وقد أستفادوا منه، ولكن الظاهر العكس تماما.
    أما عن "الضحك والمصخرة" فأتمنى أن لاتعمم شعورك على الناس

    ردحذف
  6. محمدنور عجاج24 يوليو, 2010 02:58

    صديقي محمد ..
    مقالة أكثر من رائعة
    لم اشاهد الفلم بعد .. لكنني مع هذه النوعية من الأفلام ..
    الأفلام الصريحة التي تخرج عن نص الوطنية العمياء
    الفلم بالنهاية رسالة شريفة واضحة .. هذه النوعية من الأفلام هي بالحقيقة عبارة عن أفلام وطنية من الطراز الأول .. والبعض يراها أفلام تهز صورة الوطن ..

    الفن السينمائي الناجح هو المرآة التي تعكس صورا حقيقية .. حتى لو كانت مؤلمة .. فلن نستطيع ان نداوي الجرح حتى نعرف اين مكانه بالتحديد .. حتى لو كنت من افضل الأطباء وأكثرهم موهبة ..

    لي صديق مصري .. كان من اكبر المعارضين لهذا الفلم ..يرى ان هذا الفلم مسيئ لبلده مع انه اكد لي ان المشاكل التي تعرض لها الفلم صحيحة .. اعذر غيرة صديقي .. واعاتب وعيه

    اشكرك ايها المبدع ..

    محمدنور

    ردحذف
  7. الله حيووو ابو الزين

    انا لسة بستنى ينزلوه عنا عشان احضره.

    ردحذف
  8. صديقي غير المعرف أعجبني تعليقك ..
    فروح الدعابة ظاهرة في كلماتك ..
    لكن أتمنى ان تكون الفصحى شيء أيجابي وليس سلبي
    كما أن أؤكد لك ياصديقي أننا لابد لنا ان نحاول أن نستفيد من اوقاتنا حتى من خلال مشاهدة أفلام حتى لو كانت تحمل طابع كوميدي

    ردحذف
  9. شكرا لك اخي محمد

    فعلا نحن في أشد الحاجة الى اعمال فنية هادفة

    بعدما أغرقت السوق الاعمال الهابطة

    التي تقاس مبيعاتها بمدى التعري و الخلاعة

    اذكر تحية هنا الى الفنان محمد صبحي

    لقد كانت له مساهمات في هذا المجال

    بصراحة لم اشاهد الفيلم .. لكن شجعتني

    نحو اعلام هادف

    يوسف مسعود

    ردحذف
  10. بعد زمان أبو حميد
    جميل أن نتفاعل مع السينما ونكتب عنها بعد أن كانت تهمة في يوم من الأيام.
    الفيلم رائع ويميزه أن أحمد حلمي لا يكرر نفسه بل يأتي بجديد في كل مرة، ودائماً في الصميم.
    محمود عكل

    ردحذف
  11. الأستاذ الفاضل يحيى حوى

    أشكر مشاركتك القيم ..

    استاذنا في الحقيقة أن الفن صاحب الرسالة صاحب تأثير أكبر من أي وسائل أخرى فهو يصل لأكبر شريحة ممكنة باسلوب راق وقريب من القلوب ,, ولذلك أصحاب هذه الرسالة لابد أن نقف لهم وقفة إجلال وإكبار

    ردحذف
  12. صديقي العزيز محمد نور ..

    السينما في العالم تحقق ايردات بالملايين بل بالمليارات .. لكن روادها هناك بذهبون لها ليس لغرض الترفيه حتى وان كان كذلك , السينما هي رافد ثقافي مهم ..
    اما فيلمنا وأن كان يسلط الضوء بشكل قاصي لكنه واقعي جد ربما أحيانا نحتاج أن نضع أيدينا على الجرح وحتى لو كان مؤلم

    ردحذف
  13. أخي يوسف ..

    اتفق معك صدقت نحو اعلام هادف وذو تأثير ايجابي

    ردحذف
  14. صديقي العزيز محمود عكل

    نحية طيبة ..

    أشكرك عبى تفاعلك .. صدقت في شان أن السينما وارتيادها كان لفترة قريبة ,, هو نوع من الإفراط , لكن يا عزيزي من يقول بهذا الرأي هل جرب أن يشاهد فيلم ويقيمه بشكل موضوعي وكأنه يقرأ كتاب أنا أقول أن السينما مليئة بالأفلام التي تستحق المشاهدة

    ردحذف
  15. هنا لا يوجد لدينا سينما , قريباً سأسافر لعمان ,سأحرص على ان اخضر الفلم , شوقوتوني اليه يا سادة :)

    ردحذف
  16. رامي صيداوي25 يوليو, 2010 14:50

    اخي محمد
    مقال جميل رغم ان السواد هنا محصور في الدول العربية
    لكن لو اسقطنا هذا السواد على فلسطين مثلا
    فلا يستقيم المقال لان هذا السواد بطعم العسل اصلا ففي متعت الدفاع عن الوطن حتى لو كلف ذلك دماء او اطعام شبابنا للسجون عندما يكون عدوك ظاهر عدو الدين والغه هنا يصبح (العسل ابيض)
    بالتوفيق
    رامي

    ردحذف
  17. اخي الحبيب رامي ..

    أعتز برأيك في ما كتبت , لكني أقول نعم لفلسطين حالة خاصة فعسلها في كل الأحوال أما عيش في ربوع الوطن أو دفاع عنها فذاك عسل أيضا او موت فدا ترابها ومقدساتها واظنه غاية المنى ..وقمة الشهد ..

    رامي العسل سواء كان ابيض أم اسود يبقى عسل له حلاوة لا تضاهيه حلاوة

    ردحذف
  18. عبداللطيف الكندري07 أغسطس, 2010 16:42

    السلام عليكم ورحمةرالله وبركاته ..
    أحييك أخي الكبير محمد السرميني على هذه المقالة الأكثر من رائعة .. وهذا الأسلوب الراقي الذي قلما وجدناه عند شباب هذا العصر ..
    على فكره بعد ماقرأت المقال ذهبت للفلم مع الأهل :)
    بارك الله فيك وإلى الأمام دائما ..
    أخوك المعجب بك ويتمنى لك التوفيق والسداد :
    عبداللطيف علي الكندري .. بووليد

    ردحذف
  19. اخي العزيز محمد سرميني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد انا سعيد جدا لانك استطعت ان تحقق
    احلامك ولقد قراءة مقالك وكان جميل وسوف اذهب الى السنما لكي ارى هذا الفلم وشكرا واتمنى ان تكمل في
    هذا الطريق ;)

    ردحذف