عندما نجلس في أحد المطاعم لنتناول وجبة غداء أو حتى في مقهى نحتسي فيه فنجان قهوة ، أو يدخل احد منا على على أحد المجمعات التجارية أو الأسواق المركزية كبرت أم صغرت ، نجد أن معظم منتجات تلك الأماكن المختلفة ليست محلية الصنع ، أنما هي مستوردة من بقاع الدنيا المختلفة ، لا أجد بأس بأن الدنيا قد انزوت لنا وانطوى عنا بعدها ، فأصبح بإمكان أحدنا أن يحصل على أي منتج كان من أي بلد كان ضمن منظومة العولمة التي جعلت من العالم سوق صغير نسطيع من خلاله أن نحصل على احتياجاتنا في سهولة ويسر .
أننا في مجتمعاتنا العربية وصلنا إلى مرحلة متقدمة من ثقافة مبنية على الإستهلاك ، فنحن وبلا فخر شعوب مستهلكة من الدرجة الأولى ابتداءا ً بالإبرة الحياكة ومرور بحاجات الحياة الأساسية وانتهاءاً بالطائرات والمعدات الثقيلة ،حتى أننا كثير من المنتجات قادرين على انتاجها ، ولكننا على ما يبدو قد اعتدنا أن نستهلك فقط ولغاية الإستهلاك .
ومن يعيش في دول الخليج تتجلى له معاني الإستهلاك المختلفة ، فيها بيئة خصبة لإستهلاك بكل أشكاله وألوانه ، حتى أنني أظن أن للإستهلاك فنون ، ما تلبث أن تقطن في أحد الدول الخليج حتى تصبح صاحب ملكة خلاقة في الإستهلاك .
وعندما تنظر إلى الناتج القومي لدولنا لعربية تتجسد لك صورة الإستهلاك في أوضح صورها , فالمتابع لأوضاع الأسواق العربية و الصناعات المختلفة أو معدلات الإنتاجية . فلا شك أنه سوف يشعر بالإحباط والضيق فمعظم الأرقام والدراسات تؤكد انخفاض مستوى الإنتاج في المجالات المختلفة ، ولكن بكل تأكيد دون النفط فهو المنتج الأساسي الذي تعتمد عليه دولنا العربية والتي في غاليبيتها منتجٌ له مع اختلاف احجام ونوعية الإنتاج .
لا يمكن لنا أن ننكر أن دولنا العربية منتجة و مصنعة في الكثير من المجالات ، ولكنها لا تمثل نقطة في بحر استهلاكياتها اللا محدود ، ومما يجعلنا نشعر بالأسى والضيق ، فغياب المنهجية الواضحة من مؤسساتنا الإقتصادية الحكومية منها والأهلية في رفع مستوى الإكتفاء الإقتصادي والعمل على الحد من هذا السلوك الإستهلاكي المرير ، الذي يجعل منا شعوبا مستضعفة تعيش تحت رحمة من يطعمها ويكسوها و يؤمن أساسيات حياتها .
مشهد أخير أردت أن أسلط عليه الضوء قبل أن أسدل ستارة كلماتي ، هو أنني وخلال زيارتي الأخيرة لتركيا بوابة الشرق والغرب كما اعتدت على تسميتها , توجهت لزيارة أحد الأسواق المركزية " سوبر ماركت " لشراء بعض الحاجيات البسيطة لفت انتباهي أن جميع منتجات هذا السوق منتجات تركية الصنع ، مما جعلني لاحقا أسلط انتباهي على جميع من حولي من منتجات سواء اً في الشارع أو في الفندق لآرى أن معظم تلك المنتجات منتجات محلية .
من يرى التجربة الإقتصادية التركية بعين المتابع والمهتم ليجد أن هناك سياسية اقتصادية واضحة للنهوض باقتصادهم إلى مصاف الدول المتقدمة والمنتجة ، ولتنأ بنفسها عن ثقافة لطالما غرقنا بها وتشربناها وتربينا عليها إلا وهي" ثقافة الإستهلاك" .
محمد سرميني
1 ديسمبر 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق