الأحد، 14 نوفمبر 2010

الذوق .. سلوك الروح


إلى الذين استجابت جوارحهم إلى إلهامات الروح وهواتف القلب، فانطلقت تعبر عن دقة الأحاسيس وسمو المشاعر، بما يضفي على حركة الحياة لمسات من الذوق الرفيع المكنون في فطرته ويترجم عن كنه الإنسان وعقيدته .هكذا استهل الداعية عباس السيسي رحمه الله كتابه الذوق سلوك الروح ، تكلم عن معنى سلوكي غاية في الرقي والرفعة ، فالذوق سمة مميزة لشخص يتسم بالرقة والسمو والأحاسس المرهف ، الذوق مفتاح الروح ، رسالة محبة لقلوب الآخرين ، لمسةٌ سحرية تنبع من قلب أدرك أنه أن أردت أن تحيا سليم من الآذى ترعى الناس ويرعونك فلابد أن يكون الذوق عنوانك .
الذوقُ كلمةٌ جميلة مُوْحِيَةٌ تَحْمِلُ في طياتها معاني اللطفِ، وحُسْنِ المعشر، وكمالِ التهذيبِ، وحسنِ التصرفِ، وتجنبِ ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بلفظ، أو إشارة أو نحو ذلك.
ولأن دعائم ديينا الحنيف مبنيةٌ على الأخلاق وسموها ، فكان من ركائزها الأساسية هي حسن الخلق فكما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأكمل مكارم الأخلاق " صدق رسول الله .. فكان الذوق هو ذورة سنام الأخلاق ..
ولما ابتعد الناس عن تعاليم دينهم ، وأغفلوا منهجهم الإسلامي القويم ، كان لذلك الأثر البالغ على سلوكهم  وعلى ذوقهم الذي هو آلة الحس التي يجب أن تكون يقظةً متوهجة ..
كثيراً من المواقف اليومية التي تمر علينا نعيشها ونقطف ثمراها لاحقاً ، يكون للذوق أثر فيه سلباً أم أيجاباً ، وللأسف الشديد كأن الذوق بات عملة نادرة .. يصعب الحصول عليها في زمن تداعت عليه الأوهام والأمراض الإجتماعية في شتى مناحي الحياة .
تسألت كثيراً هل الذوق سلوك مكتسب أو أنه نزعة فطرية غرسها الله في نفوس أصحابها ، جعل منها نعمة ربانية اصطفى بها أولياءه الصالحين ، فالقول والله أعلم أنها سلوك اجتماعي مكتسب تؤثر فيه عوامل مختلفة ، فالبيئة التي نشأ فيها وترعع في رُباها أثر بالغ ، كذلك التربية سواءاً كانت في البيت أو المدرسة أو حتى في العمل .. تعكس أثر واضح في تنمية الذوق في نفوسنا ..
وكذلك الإلتزام بالهدي الإسلامي الحنيف وتعاليم رسولنا الكريم  صلى الله عليه وسلم أثر بالغ في معالجة سلوك الذوق ، فالله سبحانه وتعالى تطرأ لها بشكل مباشر من خلال ذكره آيات الإستئذان إذا قال الله في محكم آياتها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"
معالجة ربانية لسلوك الذوق في أرقى مستوياته من خلال ذكر الإستئذان وآدابه من خلال أن الذوق هو الضابط الذي ينظم علاقاتنا الإنسانية بروح راقية وأدب رفيع .
حتى في جميع العبادات المختلفة كالصلاة فنحن مأمورين أن نأخذ زينتنا عن الذهاب للمسجد ضمن تصرف ذوقي رفيع المستوى بعكس تقافية ذوقية في ديننا الحنيف .
ختاماً فقد أعجبني قول الإمام السيوطي في الذوق حيث قال "اعلم بأن الذوق السليم نتيجة الذكاء المفرط والذكاء المفرط نتيجةالعقل الزائد والعقل الزائد سر أسكنه الله في أحب الخلق إليه وأحب الخلق إليه الأنبياء وخلاصة الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم".

محمد سرميني
14.11.2010



هناك تعليق واحد:

  1. محمد عبد المنعم15 نوفمبر, 2010 20:04

    الله يعطيك ألف ألف عافية يا محمد

    ردحذف