في زمان اختلفت فيه مظاهر الحياة ، في زمن باتت فيه المتغيرات أكثر بكثير من الثوابت ، مع هذا كله مازال وليومنا هذا و حتى قيام الساعة يَتَجَاذَبُنَا حرفان منذ ولادتنا وحتى نوارى الثرى ..
حرفان لهما الدور الأكبر في مجريات الحياة ، وما أن يمتزجان معا ويتحدان حتى يشكلا لوحة فنية تعجز أنامل فنان عن إبداعها , حرفان فيهما الحياة ولهما الحياة ..
فمنذ إطلاق الصرخة الأولى لنعلن بها بدء مسيرة الحياة ، يبدأ هذا الحرفان في اكتنافنا ، وما أن نرشف أولى قطرات حليب أمهاتنا حتى تكون نكهة هذين الحرفين واضحة جلية ، نكبر ونترعرع كسنبلة باسقة في بستان الحياة ويكونا لنا الماء والهواء ..
لهما في طفولتنا معجزة ، فما يمكن لنا أن نكبر أو تشد أعوادنا دونهما .. فمازلت أذكر أمي وهي تمسح يدها على جبيني استجابة لهذه الحرفين وما زلت اذكر القلق في عيون أبي عندما أغيب عنه وهذا كله من صنيعة هذين الحرفين ..
وما أن تقرع مرحلة المراهقة أبوابها في حياتنا حتى يبدأ هذين الحرفين يتسللان إلى قلوبنا ولكن بشكل مختلف , ربما تختلف وسائلهما من شخص إلى آخر ، نرسمهما في لوحاتنا ، ننثرهما في كلماتنا ، ننظُمهما في أشعارنا .. لتكون أجمل ما تكون القصائد مرصعة فيهما .. وكل منا يختار الشكل الذي يريد أن يزين حياته بهما ..
وتشد جذوة هذين الحرفين تألقاً في حياتنا كلما مرت السنين من أعمارنا .. وتباعاً ما أن نخرج من شراك هذين الحرفين حتى نقع في شباكهما مرة أخرى .. وكأن القدر حتم علينا أن نحيا ونموت و نحن ما بين مد وجزر مع هذين الحرفين ، وكأنهما الراعي الرسمي لأعمارنا ، كأنهما الوصي الشرعي على قلوبنا ومشاعرنا ..
آه من هذين الحرفين الذي أنا وأنت و أنتِ ، كثيراً ما بحثنا عنهما في حياتنا ، وما أن وجدناهما حتى حولا حياتنا إلى لوحة فنية فريدة ، رسمتها يد فنان لم يعرف غير هذين الحرفين مذهباً .
ختاما أقول أن من خلت حياته من هذين الحرفين فهو في عداد الأموات يأكل ويشرب وينام دون روح ، لم يعرف لحياته لذة ولا لعمره طعم أو لون ، ولم تعرف له السعادة طريق .
هذين الحرفين لم يتركا باب إلا طرقاه ولا طريق إلا سلكاه ، ولا مجال إلا كان لهما نصيب الأسد فيه ، فبدونهما لا يمكن لعلاقتنا مع خالقنا وواجدنا معنى فهما ما خلقنا من اجله , لأوطاننا نصيب منهما ، وكذلك لأهالينا وأصحابنا وأنفسنا نصيب منهما ، لهما منا كل أمر وحال شأن ،أنهما ترياق الحياة وغاية المنى .
اننا ما بين حاء وباء
محمد سرميني
3 اغسطس 2010
كلام رائع وجميل ورقيق جدا
ردحذفوفي الصميم
دامت تلك المشاعر فياضة
ملأ الله حياتك بالحب أخي محمد
ردحذفحركت كلماتك سؤالا ساكنا في رأسي، ماذا لو عاش أحدهم حياة دون حب؟
و"دون حب" لا تعني بالضرورة أن يعيش الإنسان في كره الآخرين، إطلاقا، ولكني أعني أن يخيا الإنسان حياته دون ذلك الشعور اللذيذ الذي يحمله المرء لخالقه، لأقاربه، لعمله والمكان الذي ينتمي إليه.
أتصوّر ان الحب .. حياة
شكرا محمد لكلماتك المعبرة
سعود